كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


من غيرة الحق تعالى على الأكابر أنهم إذا ساكنوا شيئاً سواه أو لاحظوا غيره شوش عليهم وامتحنهم حتى تصفوا أسرارهم له كما فعل بيوسف عليه الصلاة والسلام حين قال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك أي ملك مصر فلبث في السجن لذلك ما لبث وإبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أعجبه إسماعيل عليه السلام أمر بذبحه ونظر بعض الأولياء إلى شاب نظرة فإذا كف من الهوى ‏[‏ص 306‏]‏ قد لطمه وسقطت عينه وسمع صوتا لطمة بنظرة وإن زدت زدناك وذلك لعلو قدرهم عنده‏.‏

- ‏(‏حم ق‏)‏ في التوبة ‏(‏ت‏)‏ في النكاح ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ إطلاقه عزو الحديث بجملته إلى الشيخين غير سديد قال الحافظ العراقي لم يقل البخاري والمؤمن يغار اهـ‏.‏ قال الصدر المناوي أخرجه البخاري إلا قوله وأن المؤمن يغار وكذا الترمذي اهـ‏.‏ وقال ابن حجر‏:‏ زاد مسلم أي على البخاري وأن المؤمن يغار‏.‏

1920 - ‏(‏إن اللّه يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه‏)‏ كناية عن حسن قبولها لأن الشيء المرضي يتلقى باليمين عادة قال‏:‏

ألم أك في يمنى يديك جعلتني * فلا تجعلني بعدها في شمالكا

ذكره القاضي وقال غيره ذكر اليمين لأنها عرفاً لما عز والشمال لما هان واللّه تعالى منزه عن الجارحة وقيل المراد يمين الذي يدفع إليه الصدقة وأضيفت له تعالى لقصد الاختصاص أي أن الصدقة فيها للّه تعالى ‏(‏فيربيها لأحدكم‏)‏ يعني يضعف أجرها أي يزيد في كميته عينها فيكون أثقل في الميزان‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ كما يربي أحدكم تمثيل لزيادة التفهيم ‏(‏مهره‏)‏ صغير الخيل وفي رواية فلوه بفتح الفاء وضم اللام وشدة الواو ويقال بكسر فسكون مخففاً وهو المهر وقيل كل عظيم من ذات حافر وفي رواية فصيله وذلك لأن دوام نظر اللّه إليها يكسوها نعت الكمال حتى ينتهي بالتضعيف إلى حال تقع المناسبة بينه وبين ما قدم نسبة ما بين المهر إلى الخيل وخصه بضرب المثل لأنه يزيد زيادة بينة ولأن الصدقة نتاج عمله ولأنه حينئذ يحتاج للتربية وصاحبه لا يزال يتعهده وإذا أحسن القيام به وأصلحه انتهى إلى حد الكمال وكذا عمل الآدمي سيما الصدفة التي يحاذيها الشيطان ويتشبث بها الهوى ويقتفيها الرياء فلا تكاد تخلص إلى اللّه إلا موسومة بنقائص لا يجبرها إلا نظر الرحمن فإذا تصدق العبد من كسب طيب مستعد للقبول فتح لها باب الرحمة فلا يزال نظر اللّه إليها يكسبها نعت الكمال ويوفيها حصة الثواب حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم من العمل وقوع المناسبة بين اللقمة كما أشار إليه بقوله ‏(‏حتى أن اللقمة لتصير مثل أحد‏)‏ بضم الهمزة الجبل المعروف قال في الكشف‏:‏ هذا مثل ضرب لكون أصغر صغير يصير بالتربية أكبر كبير اهـ‏.‏ والقول بأنه يعظم ذاتها حقيقة ليثقل في الميزان غير سديد ألا ترى إلى خبر البطاقة التي فيها الشهادة حيث توضع في الميزان فتثقل على سائر الأعمال فلا حاجة في الرجحان إلى تعظيم الذوات وخص التربية بالصدقة وإن كان غيرها من العبادات يزيد أيضاً بقبوله رمزاً إلى أن الصدقة فرضاً كانت أو نفلاً أحوج إلى تربية اللّه وزيادة الثواب ومشقتها على النفوس بسبب الشح وحب المال‏.‏

قال ابن اللبان نسبة الأيدي إليه تعالى استعارة لحقائق أنوار علوية يظهر عنها تصرفه وبطشه بدءاً وإعادة وتلك الأنوار متفاوتة في روح القرب وعلى حسب تفاوتها وسعة دوائرها تكون رتبة التخصيص لما ظهر عنها فنور الفضل باليمين ونور العدل باليد الأخرى وهو سبحانه منزه عن الجارحة‏.‏

- ‏(‏ت عن أبي هريرة‏)‏ ورواه الطبراني عن عائشة قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح وقال الذهبي أخرجه الشيخان بمعناه‏.‏

1921 - ‏(‏إن اللّه يقبل توبة العبد‏)‏ أي رجوعه إليه ‏(‏ما لم يغرغر‏)‏ أي تصل روحه حلقومه فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به لأنه لم يعاين ملك الموت ولم ييأس من الحياة فتصح توبته بشروطها فإن وصل لذلك لم يعتد بها لقوله تعالى ‏{‏وليست التوبة للذين يعملون السيئات‏}‏ الآية، ولأن من شرط التوبة العزم على ترك الذنب المكتوب عنه وعدم المعاودة عليه وذلك إنما يتحقق مع تمكن التائب منه وبقاء الأوان الاختياري ذكره القاضي وكما أن من وصل لتلك الحالة لا تقبل توبته لا ينفذ نصرته وجزم الطيبي كالمظهر بصحة إيصائه ووصيته وتحليله ممنوع منهما كيف وقد عاين ملك ‏[‏ص 307‏]‏ الموت وليس من الحياة ومعاينته اليأس مثل الغرغرة ولذلك لم ينفع فرعون إيمانه حينئذ‏.‏

- ‏(‏حم ت‏)‏ في الدعوات ‏(‏ه‏)‏ في الزهد ‏(‏حب ك‏)‏ في التوبة ‏(‏هب‏)‏ كلهم ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال المزي‏:‏ ووهم من قال ابن عمرو بن العاص اهـ‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حسن غريب ولم يبين لم لا يصح قال ابن القطان وذلك لأن فيه عبد الرحمن بن ثابت وثقه أبو حاتم وقال أبو أحمد أحاديثه مناكير ونقل في الميزان تضعيفه عن ابن معين وتوثيقه عن غيره ثم أورد من مناكيره أخباراً هذا منها‏.‏

1922 - ‏(‏إن اللّه تعالى يقول‏)‏ يوم القيامة ‏(‏لأهون‏)‏ أي أسهل ‏(‏أهل النار‏)‏ وفي خبر سيجيء أنه أبو طالب ‏(‏عذاباً لو أن لك ما في الأرض من شيء‏)‏ أي لو ثبت لأن لو تقتضي الفعل الماضي وإذا وقعت أن المفتوحة بعد لو وجب حذف الفعل لأن ما في أن من معنى التحقق والثبات منزل منزلة الفعل المحذوف ‏(‏كنت تفتدي به‏)‏ من النار وهو بالفاء من الافتداء وهو خلاص نفسه مما وقع فيه بدفع ما يملكه وهذا إلماح لقوله ‏{‏لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به‏}‏ قال‏:‏ عبر بالماضي لتحقق الوقوع ‏(‏نعم‏)‏ أفعل ذلك قال اللّه تعالى ‏(‏فقد سألتك ما هو أهون من هذا‏)‏ أي أمرتك بما هو أهون عليك منه وإلا يكون الشيء واقعاً على خلاف إرادته وهو محال وبما تقرر من أن الإرادة بمعنى الأمر يسقط احتجاج المعتزلة به زاعمين أن المعنى أردت منك التوحيد فخالفت مرادي قال الطيبي‏:‏ والإرادة هنا أخذ الميثاق في قوله سبحانه ‏{‏وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم‏}‏ بقرينة قوله ‏(‏وأنت في صلب‏)‏ أبيك ‏(‏آدم‏)‏ عليه السلام حين أخذت الميثاق ‏(‏أن‏)‏ أي بأن ‏(‏لا تشرك بي شيئاً فأبيت‏)‏ إذ أخرجتك إلى الدنيا ‏(‏إلا الشرك‏)‏ أي فامتنعت إلا أن تشرك بي من لا يستطيع لك ولا لنفسه نفعاً ولا ضراً إشارة إلى قوله تعالى ‏{‏أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل‏}‏ ويحمل الآباء هنا على نقض العهد وهذا استثناء مفرغ وحذف المستثنى منه مع أنه كلام موجب لأن في الإباء معنى الامتناع فيكون نفياً معنى أي ما اخترت إلا الشرك‏.‏

- ‏(‏ق عن أنس‏)‏

1923 - ‏(‏أن اللّه يقول إن الصوم لي‏)‏ أي لا يتعبد به أحد غيري أو هو سر بيني وبين عبدي ‏(‏وأنا أجزي به‏)‏ صاحبه بأن أضاعف له الجزاء من غير عدد ولا حساب ‏(‏إن للصائم فرحتين إذا أفطر فرح‏)‏ قال القاضي ثواب الصائم لا يقدر قدره ولا يقدر على إحصائه إلا اللّه فلذلك يتولى جزاءه بنفسه ولا يكله إلى ملائكته والموجب لاختصاص الصوم بهذا الفضل أمران‏:‏ أحدهما‏:‏ أن جميع العبادة مما يطلع عليه العباد والصوم سر بينه وبين اللّه يفعله خالصاً لوجهه ويعامله به طالما لرضاه الثاني‏:‏ أن جميع الحسنات راجعة إلى صرف المال فيما فيه رضاه والصوم يتضمن كسر النفس وتعريض البدن للنقص والتحول مع ما فيه من الصبر على مضض الجوع وحرقة العطش فبينه وبينهما أمد بعيد لفراغه بغير قاطع أو لخلوصه للّه أو بتوفيق اللّه له أو صومه وعونه ويحتمل أن يريد بفطره يوم موته فإن المؤمن صام عن لذاته المحرمة طول عمره فدهره في ذلك يوم موته وفطره في آخره وذلك حين فرحه بما يرى مما أعد اللّه له من الكرامات ‏(‏وإذا لقي اللّه تعالى فجزاه فرح والذي نفس محمد بيده‏)‏ أي بقدرته وإرادته ‏(‏لخلوف فم الصائم‏)‏ بضم الخاء تغير ريحه لخلو المعدة عن الطعام قال النووي هذا الصواب الذي عليه الجمهور وكثير يرويه بفتحها قال الخطابي وهو خطأ ‏(‏أطيب عند اللّه‏)‏ يوم القيامة كما في خبر ‏[‏ص 308‏]‏ مسلم أو الدنيا كما يدل عليه خبر آخر ولا مانع من إرادتهما ‏(‏من ريح المسك‏)‏ عند الخلق‏.‏ قال البيضاوي‏:‏ تفضيل لما يستكره من الصائم على أطيب ما يستلذ من جنسه وهو المسك ليقاس عليه ما فوقه من آثار الصوم ونتائجه‏.‏ وقال غيره‏:‏ خصه لأنهم يؤثرونه على غيره وهو استعارة لجريان عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك لتقريبه من اللّه تعالى وفي تعليق القاضي إن للأعمال ريحاً تفوح يوم القيامة فريح الصوم منها كالمسك‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ اتفقوا على أن المراد من سلم صيامه عن الإثم وفي هذا الحديث وما قبله وما بعده رد على من كره أن يقال إن اللّه يقول وقال إنما يقال قال كأنه كره ذلك لكونه لفظاً مضارعاً‏.‏

- ‏(‏حم م ت‏)‏ في الصوم ‏(‏عن أبي هريرة وأبي سعيد معاً‏)‏ بألفاظ متقاربة‏.‏

1924 - ‏(‏إن اللّه تعالى يقول أنا ثالث الشريكين‏)‏ بالمعونة وحصول البركة والنماء ‏(‏ما لم يخن أحدهما صاحبه‏)‏ بترك أداء الأمانة وعدم التحرز من الخيانة ‏(‏فإذا خانه‏)‏ بذلك ‏(‏خرجت من بينهما‏)‏ بعني نزعت البركة من مالهما‏.‏ قال الطيبي‏:‏ فشركة اللّه لهما استعارة كأنه جعل البركة بمنزلة المال المخلوط فسمي ذاته ثالثاً لهما وقوله خرجت ترشيح للاستعارة وفيه ندب الشركة وأن فيها البركة بشرط الأمانة وذلك لأن كلاً منهما يسعى في نفع صاحبه واللّه في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه كما في خبر آخر‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في البيع ‏(‏ك‏)‏ وصححه ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ سكت عليه أبو داود وصححه الحاكم وأعله ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حبان في الثقات لكن أعله ابن القطان بالإرسال فلم يذكر فيه أبا هريرة وقال إنه الصواب نقله ابن حجر ورواه الدارقطني باللفظ المزبور عن أبي هريرة نعم قال لم يسنده أحد إلا أبو همام الأهوازي وحده‏.‏

1925 - ‏(‏إن اللّه تعالى يقول يا ابن آدم تفرغ لعبادتي‏)‏ أي تفرغ عن مهماتك لطاعتي ولا تشتغل باكتساب ما يزيد على قوتك وقوت ممونك فإنك إن اقتصرت على ما لا بد منه واشتغلت بعبادتي ‏(‏أملأ صدرك‏)‏ أي قلبك الذي في صدرك ‏(‏غنى‏)‏ وذلك هو الغني على الحقيقة لأن ما هنا فيمن يهتم بما زاد على كفاية نفسه وممونه على وجه الكفاية كما تقرر ‏(‏وأسد‏)‏ بسين مهملة ‏(‏فقرك‏)‏ يعني تفرغ عن مهماتك لعبادتي أقض مهماتك ومن قضى اللّه مهماته استغنى عن خلقه لأن الغني على الإطلاق وهو المعني بقوله أملأ صدرك غنى وبما تقرر من أن المأمور به التفرغ عن اكتساب ما يزيد على الكفاية علم أنه لا تدافع بينه وبين نحو خبر أعظم الناس هما الذي يهتم بأمر دنياه وآخرته ‏(‏وإن لم تفعل‏)‏ ذلك ‏(‏ملأت يديك شغلاً‏)‏ بضم الشين وبضم الغين وتسكن للتخفيف وشغلت به بالبناء للمفعول تلهيت به وخص اليدين لأن مزاولة الاكتساب بهما ‏(‏ولم أسد فقرك‏)‏ أي وإن لم تتفرغ لذلك واشتغلت بغيري لم أسد فقرك لأن الخلق فقراء على الإطلاق فتزيد فقراً على فقرك وهو المراد بقوله ملأت يديك إلخ ذكره الطيبي‏.‏ قال العلائي‏:‏ أمر اللّه في هذا الخبر بالتفرغ لعبادته ومن جملة ذلك أن لا يكون في القلب شاغل عن الإقبال على طاعته وقد صرح المصطفى صلى اللّه عليه وسلم في غير ما خبر بأن الفراغ من النعم التي لا يليق إهمالها‏.‏ قال ابن عطاء اللّه‏:‏ فرغ قلبك من الأغبار يملأه من المعارف والأسرار ربما وردت عليك الأنوار فوجدت القلب محشواً بصور الآثار فارتحلت من حيث نزلت لا تستنبط منه النوال ولكن استنبط من نفسك وجود الإقبال وقال الخذلان كل الخذلان أن تتفرغ من الشواغل ثم لا تتوجه إليه ويقل عوائقك ثم لا ترحل إليه‏.‏

- ‏(‏حم ت د ك عن أبي هريرة‏)‏ رضي اللّه عنه قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكنه في كتاب الزهد نقله عن التوراة بهذا اللفظ ثم قال‏:‏ وروي مرفوعاً ولا يصح انتهى وفيه عند الترمذي ‏[‏ص 309‏]‏ أبو خالد الوالبي عن أبيه وأبوه لا يعرف كما في المنار وزائد بن نشيط لا يعرف أيضاً‏.‏

1926 - ‏(‏إن اللّه تعالى يقول إذا أخذت كريمتي عبدي‏)‏ أي أعميت عينيه يعني جارحيته الكريمتين عليه وكل شيء يكرم عليك فهو كريمك وكريمتك والإضافة للتشريف فيفيد أن الكلام في المؤمن وفي رواية عبدي المؤمن ‏(‏في الدنيا لم يكن له جزاء عندي‏)‏ يوم القيامة ‏(‏إلا الجنة‏)‏ أي دخولها مع السابقين أو بغير عذاب لأن فقد العينين من أعظم البلايا ولذا سماها في خبر آخر حبيبتين لأن الأعمى كالميت يمشي على وجه الأرض وهذا مقيد بالصبر والاحتساب كما يأتي في خبر في هذا الكتاب وظاهر الأحاديث أنه يحشر بصيراً وأما ‏{‏ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى‏}‏ فهو في عمى البصيرة وما هنا في عمى البصر وأما خبر ‏"‏من مات على شيء بعثه اللّه عليه‏"‏ فالمراد من الأعمال والأحوال الصالحة والطالحة‏.‏

- ‏(‏ت عن أنس‏)‏ ورواه أبو يعلى عن ابن عباس قال الهيثمي ورجاله ثقات‏.‏

1927 - ‏(‏إن اللّه تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي‏)‏ أي لعظمتي فالباء بمعنى اللام أو في وخص الجلال بالذكر لدلالته على الهيبة والسطوة أي المنزهون عن شوائب الهوى والنفس والشيطان في المحبة فلا يتحابون إلا لأجلي ولوجهي لا لشيء من أمور الدنيا ‏(‏اليوم أظلهم في ظلي‏)‏ أي ظل عرشي كما جاء مصرحاً به في خبر آخر وإضافة الظل إليه إضافة تشريف وملك والمراد أنه في ظله من الحر ووهج الموقف وقيل عبارة عن الراحة والنعيم يقال هو في عيش ظليل أي طيب وقوله ‏(‏يوم لا ظل إلا ظلي‏)‏ بدل من اليوم المتقدم أي لا يكون من له ظل مجازاً كما في الدنيا-وفي العزيزي أنه حال من ظلي المذكور قبله أي أظلهم في ظلي حال كونه كائناً يوم لا ظل إلا ظلي، هذا هو الظاهر- ‏(‏حم م‏)‏ في الأدب ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ ورواه عنه أيضاً مالك في الموطأ وكأن المصنف ذهل عنه فإنه حريص على البداءة بالعزو إليه فيما فيه ولم يخرجه البخاري‏.‏

1928 - ‏(‏إن اللّه تعالى يقول أنا مع عبدي‏)‏ بالرحمة والتوفيق والهداية ‏(‏ما ذكرني‏)‏ أي مدة ذكره لي في نفسه فما مصدرية ظرفية ‏(‏و‏)‏ ما ‏(‏تحركت بي‏)‏ أي بذكري ‏(‏شفتاه‏)‏ فهو مع من يذكره بقلبه ومع من يذكره بلسانه لكن معيته مع الذكر القلبي أتم وخص اللسان لإفهامه دخول الأعلى بالأولى لكن محبته وذكره لما استولى على قلبه وروحه صار معه وجليسه ولزوم الذكر عند أهل الطريق من الأركان الموصلة إلى اللّه تعالى وهو ثلاثة أقسام ذكر العوام باللسان وذكر الخواص بالقلب وذكر خواص الخواص بفنائهم عند مشاهدة مذكورهم حتى يكون الحق مشهوداً لهم في كل حال قالوا وليس للمسافر إلى اللّه في سلوكه أنفع من الذكر المفرد القاطع من الأفئدة الأغيار وهو اللّه وقد ورد في حقيقة الذكر وآثاره وتجلياته ما لا يفهمه إلا أهل الذوق‏.‏

- ‏(‏حم ه ك عن أبي هريرة‏)‏ ورواه عنه أيضاً ابن حبان والحاكم عن أبي الدرداء وصححه‏.‏

1929 - ‏(‏إن اللّه تعالى يقول إن عبدي كل عبدي‏)‏ أي عبدي حقاً المتمحض في العبودية الفائز بشرف كمال العبودية ‏[‏ص 310‏]‏ ‏(‏الذي يذكرني وهو ملاق قرنه‏)‏ بكسر الكاف وسكون الراء أي عدوه المقارن له المكافئ له في القتال فلا يغفل عن ذكر ربه حتى في حالة معاينة الهلاك ولا يشغله ما هو فيه من الاستشراف إلى الموت عن لزوم ذكر ربه بقلبه ولسانه‏.‏ والقرن من يقاومك في علم أو قتال أو غير ذلك، والجمع أقرن كحمل وأحمال‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ من حديث عفيرة بن معدان ‏(‏عن‏)‏ أبي عدي ‏(‏عمارة‏)‏ بضم المهملة وفي آخره هاء ‏(‏ابن زعكرة‏)‏ قال في الأذكار‏:‏ وزعكرة بفتح الزاي والكاف وسكون العين المهملة‏.‏ قال في التقريب كأصله صحابي له حديث الأزدي وقيل الكندي الجمعي الشامي‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ ولا يعرف له إلا هذا الحديث قال أعني ابن حجر وهو حسن غريب وقول الترمذي ليس إسناده بقوي يريد ضعف عفير لكن وجدت له شاهداً قوياً مع إرساله أخرجه البغوي فلذلك حسنته وقول الترمذي غريب أراد غرابته من جهة تفرد عفير بوصله وإلا فقد وجد من وجه آخر‏.‏ اهـ‏.‏

1930 - ‏(‏إن اللّه يقول إن عبداً‏)‏ مكلفاً ‏(‏أصححت له جسمه ووسعت عليه في معيشه‏)‏ أي فيما يعيش فيه من القوت وغيره ‏(‏تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليّ‏)‏ أي لا يزور بيتي وهو الكعبة ‏(‏لمحروم‏)‏ أي يقضي عليه بالحرمان من الخير أو من مزيد الثواب وعموم الغفران بحيث يصير كيوم ولدته أمه لدلالته على عدم حبه لربه وعادة الأنجاب زيارة معاهد الأحباب وأطلالهم وأماكنهم وخلالهم، وأخذ بقضية هذا الحديث بعض المجتهدين فأوجب الحج على المستطيع في كل خمسة أعوام وعزى ذلك إلى الحسن قال ابن المنذر‏:‏ كان الحسن يعجبه هذا الحديث وبه يأخذ فيقول يجب على الموسر الصحيح أن لا يترك الحج خمس سنين اهـ‏.‏ وقد اتفقوا على أن هذا القول من الشذوذ بحيث لا يعبأ به قال ابن العربي‏:‏ قلنا رواية هذا الحديث حرام فكيف بإثبات الحكم به وقال البيهقي‏:‏ ورد هذا موقوفاً ومرسلاً جاء عن أبي هريرة بسند ضعيف‏.‏

- ‏(‏ع حب عن أبي سعيد‏)‏ الخدري وفيه صدقة بن يزيد الخراساني ضعفه أحمد وقال ابن حبان لا يجوز الاشتغال بحديثه ولا الاحتجاج به وقال البخاري منكر الحديث ثم ساق له في الميزان هذا الخبر وفي اللسان قال البخاري عقبه هذا منكر وكذا قال ابن عدي اهـ ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة بلفظ إن اللّه تعالى يقول إن عبداً أصححت له بدنه وأوسعت عليه في الرزق ثم لم يفد إلي بعد أربعة أعوام لمحروم قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح اهـ وبه يعرف أن اقتصار المصنف على الطريق الذي آثره غير جيد‏.‏

1931 - ‏(‏إن اللّه تعالى يقول أنا خير قسيم‏)‏ أي قاسم أو مقاسم ‏(‏لمن أشرك بي‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏من أشرك بي شيئاً‏)‏ أي في عمل من الأعمال ‏(‏فإن عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك بي‏)‏ بالبناء للفاعل أو المفعول ‏(‏أنا عنه غني‏)‏ واللّه غني عن العالمين‏.‏ قال أبو البقاء‏:‏ قليله وكثيره بالنصب على البدل من العمل وإن شئت على التوكيد ويجوز رفعه على الابتداء ولشريكه خبره والجملة خبر إن وتمسك به ابن عبد السلام كالمحاسبي في ذهابهما إلى العمل لا يترتب عليه ثواب إلا إذا خلص للّه كله ومختار الإمام والغزالي اعتبار غلبة الباعث فإن غلب باعث الآخرة أثيب بقدره وإلا فلا وجرى عليه الفخر الرازي فقال‏:‏ للعمل تأثير في القلب فإن خلا المؤثر عن العارض خلا الأثر عن الضعف وإن قارنه فإن تساويا تساقطا وإن غلب أحدهما فالحكم له قال والجواب عن الحديث أن لفظ الشرك محمول على تساوي الداعيين وعنده ينحبط كل بالآخر قال ابن عطاء اللّه ‏[‏ص 311‏]‏ وكما لا يحب اللّه العمل المشترك لا يحب القلب المشترك لأن القلب بيت الرب والرب يكره أن يكون في بيته غيره فالعمل المشترك لا يقبله والقلب المشترك لا يقبل عليه ‏{‏ومن يشرك باللّه فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق‏}‏ قال الغزالي‏:‏ قيل للخواص قدم ابن أدهم فأته قال‏:‏ لا، لأن ألقى شيطاناً مارداً أحب إلي من لقائه فاستنكروا ذلك فقال‏:‏ إذا لقيته أخاف أن أتزين له فإذا لقيت شيطاناً أمتنع منه قال الغزالي رضي اللّه تعالى عنه‏:‏ ولقي شيخي الإمام بعض العارفين فتذاكرا ملياً‏.‏ فقال الإمام‏:‏ ما أظنني جلست مجلساً أنا له أرجى من هذا‏.‏ فقال العارف‏:‏ ما جلست مجلساً أنا له أخوف من مجلسي هذا ألست تعمد إلى أحسن علومك فتظهرها لدي وأنا كذلك فقد وقع الرياء فبكى الإمام ملياً حتى أغمي عليه‏.‏ قال البعض‏:‏ ومن أدوية الرياء التفكر في أن الخلق كلهم لا يقدرون على نفعه بما لم يقضه اللّه له ولا على غيره ما لم يقدره اللّه له‏.‏

- ‏(‏الطيالسي‏)‏ أبو داود ‏(‏حم عن شداد بن أوس‏)‏ قال الهيثمي فيه شهر بن حوشب وثقه أحمد وغيره وضعفه غير واحد وبقية رجاله ثقات‏.‏

1932 - ‏(‏إن اللّه تعالى يقول لأهل الجنة‏)‏ وهم فيها ‏(‏يا أهل الجنة فيقولون لبيك‏)‏ أي إجابة بعد إجابة لك يا ‏(‏ربنا‏)‏ من ألبّ بالمكان أقام أي نقيم لامتثال أمرك إقامة كثيرة ‏(‏وسعديك‏)‏ بمعنى الإسعاد وهو الإعانة أي نطلب منك إسعاداً بعد إسعاد ‏(‏والخير في يديك‏)‏ أي في قدرتك ولم يذكر الشر لأن الأدب عدم نسبته إليه صريحاً ‏(‏فيقول‏)‏ سبحانه وتعالى لهم ‏(‏هل رضيتم‏)‏ بما صرتم إليه من النعيم المقيم ‏(‏فيقولون وما لنا‏)‏ أي أيّ شيء لنا ‏(‏لا نرضى‏)‏ وهو حال من الضمير في الظرف، والاستفهام لتقدير رضاه ‏(‏وقد أعطيتنا‏)‏ وفي رواية وهل شيء أفضل مما أعطيتنا‏؟‏ أعطيتنا ‏(‏ما لم تعط أحداً من خلقك‏)‏ الذين لم تدخلهم الجنة ‏(‏فيقول‏)‏ تعالى ‏(‏ألا‏)‏ بالتخفيف ‏(‏أعطيكم‏)‏ بضم الهمزة وفي رواية أنا أعطيكم ‏(‏أفضل من ذلك‏)‏ الذي أنتم فيه من النعيم ‏(‏فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك‏)‏ قال يا رب في الموضعين ولم يقل ربنا مع كون الجمع مذكوراً قبله إشعار بأن ذلك قول كل واحد منهم لا أن طائفة تكلموا وطائفة سكتوا إذ الكلام من كل واحد على حصول الرضى ‏(‏فيقول أجل‏)‏ بضم أوله وكسر المهملة أي أنزل ‏(‏عليكم رضواني-في حديث جابر قال رضواني أكبر وفيه تلميح بقوله تعالى ‏{‏ورضوان من اللّه أكبر‏}‏ لأن اللّه رضاه سبب كل نول وسعادة وكل من علم أن سيده راض عنه كان أقر لعينه وأطيب لقلبه من كل نعيم لما في ذلك من التعظيم والتكريم وفي هذا الحديث أن النعيم الذي حصل لأهل الجنة لا مزيد عليه اهـ-‏)‏

بكسر أوله وضمه أي رضاي ورضاه سبب كل سعادة وفيه أن النعيم الحاصل لأهل الجنة لا يزيد على رضى اللّه ‏(‏فلا أسخط عليكم بعده أبداً‏)‏ مفهومه أن اللّه تعالى لا يسخط على أهل الجنة لأنه متفضل عليهم بالإنعام كلها دنيوية وأخروية فظاهر الحديث أن الرضى أفضل من اللقاء وأجيب بأنه لم يقل أفضل من كل حال بل أفضل من الإعطاء واللقاء يستلزم الرضى فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم وفيه أن السعادة أي الروحانية أفضل من الجسمانية ونعم للمؤمنين عظيمة وهي سماع كلام رب العالمين وأعظم منه خطابهم إياه بتقريره نعمه عليهم وتعريفه إياهم فضله لديهم وإن رضى اللّه أفضل من نعيم الجنة‏.‏

- ‏(‏حم ق ت عن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏

‏[‏ص 312‏]‏ 1933 - ‏(‏إن اللّه تعالى يقول أنا عند ظن عبدي بي‏)‏ أي أعامله على حسب ظنه وأفعل به ما يتوقعه مني فليحسن رجاءه أو أنا قادر على أن أعمل به ما ظن أني أعامله به فالمراد الحث على تغليب الرجاء على الخوف والظن على بابه ذكره الفاضي قال‏:‏ ويمكن تفسيره بالعلم والمعنى أنا عند يقينه بي وعلمه بأن مصيره إلي وحسابه علي وأن ما قضيت من خير وشر فلا مرد له لا معطي لما منعت ولا راد لما أعطيت أي إذا تمكن العبد في مقام التوحيد ورسخ في مقام الإيمان والوثوق به سبحانه وتعالى قرب منه ورفع دونه الحجاب بحيث إذا دعاه أجاب وإذا سأله استجاب إلى هنا كلامه، وجزم بعض المتأخرين بثاني احتماليه فقال‏:‏ معناه عند يقينه بي فالاعتماد عليّ والوثوق بوعدي والرهبة من وعيدي والرغبة فيما عندي أعطيه إذا سألني وأستجيب له إذا دعاني كل ذلك على حسب ظنه وقوة يقينه والظن قد يرد بمعنى اليقين قال اللّه تعالى ‏{‏الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم‏}‏ أي يوقنون ‏(‏إن خيراً فخير وإن شراً فشر‏)‏ أي إن ظنّ بي خيراً أفعل به خيراً وإن ظنّ بي شراً أفعل به شراً‏.‏ قال ابن القيم‏:‏ وأعظم الذنوب عند اللّه تعالى إساءة الظن به فإن من أساء الظن به ظن به خلاف كماله الأقدس وظن به ما يناقض أسماءه وصفاته ولهذا توعد عليه بما توعد به غيره فقال ‏{‏عليهم دائرة السوء وغضب اللّه عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم‏}‏ وقال ‏{‏وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم‏}‏ قال الكرماني‏:‏ وفيه إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف أي لأن العاقل إذا سمعه لا يعدل إلى ظن إيقاع الوعيد وهو جانب الخوف بل إلى ظن وقوع الوعد وهو جانب الرجاء وهو كما قال المحققون مقيد بالمحتضر وفي غيره أقوال ثالثها الاعتدال ‏(‏تتمة‏)‏ قال ابن عطاء اللّه‏:‏ بخ بخ لحسن الظن به لمن منّ به عليه فمن وجده لم يفقد من الخير شيئاً ومن فقده لم يجد منه شيئاً لا تجد غداً عند اللّه لك أنفع منه ولا أجدى ولا تجد الآن أدل على اللّه ولا أهدى بعلمك عن اللّه بما يريد أن يصنعه معك ويبشرك ببشائر لا يقرأ سطورها العينان ولا يترجم عنها لسان ‏.‏

قال سليمان بن علي أمير البصرة لعمرو بن عبيد ما تقول في أموالنا التي تعرفها في سبيل الخير فأبطأ في الجواب يريد به وقار العلم ثم قال من نعمة اللّه على الأمير أنه أصبح لا يجهل أن من أخذ الشيء من حقه ووضعه في وجهه فلا تبعة عليه غداً قال الأمير نحن أحسن ظناً باللّه منكم فقال أقسم على الأمير باللّه هل تعلم أحداً أحسن ظناً باللّه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لا قال فهل علمت أنه أخذ شيئاً قط من غير حله ووضعه في غير حقه قال اللّهم لا قال حسن الظن باللّه أن تفعل ما فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏.‏

- ‏(‏طس حل عن واثلة‏)‏ بن الأسقع وهو في الصحيحين بدون قوله إن إلخ‏.‏

1934 - ‏(‏إن اللّه تعالى يقول يوم القيامة يا ابن آدم‏)‏ خطاب معاتبة لا مناقشة ومعاقبة ‏(‏مرضت فلم تعدني‏)‏ أضاف المرض إليه والمراد العبد تشريفاً له وتقريباً ‏(‏قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين‏)‏ حال مقرر للإشكال الذي تضمنه معنى كيف أي أن العيادة إنما هي للمريض العاجز وذلك على المالك الحقيقي محال فكيف أعودك وأنت القادر القاهر القوي المتين ‏(‏قال أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده‏)‏ أي وجدت ثوابي وكرامتي في عيادته قال في المطامح‏:‏ هذا خرج مخرج التنبيه على شرف المؤمن والتعريف بحظوته عند ‏[‏ص 313‏]‏ ربه وحث الخلق على المواصلة لذاته والتحبب فيه والإحسان لوجهه فأخبر المصطفى صلى اللّه عليه وسلم عن ربه أن عيادة المؤمن لأخيه عيادة للّه تعالى من حيث إنها إنما فعلت لوجهه، فالمجاز والاستعارة في كلامهم باب واسع ‏(‏يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يارب كيف أطعمك وأنت رب العالمين‏)‏ أي كيف أطعمك والإطعام إنما يحتاج إليه الضعيف الذي يتقوت به فيقيم به صلبه ويصلح به عجزه وأنت مربي العالمين ‏(‏قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي‏)‏ قال في العيادة لوجدتني عنده وفي الإطعام وكذا السقي لوجدت ذلك عندي إرشاداً إلى أن الزيارة والعيادة أكثر ثواباً منهما وقال السبكي رضي اللّه عنه‏:‏ سر ذلك أن المريض لا يروح إلى أحد بل يأتي الناس إليه فناسب قوله لوجدتني عنده بخلاف ذينك فإنهما قد يأتيان لغيرهما من الناس ‏(‏يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين‏)‏ أي كيف أسقيك وإنما يظمأ ويحتاج للشرب العاجز المسكين المحتاج لتعديل أركانه وطبيعته وأنه غني منزه متعال عن ذلك كله ‏(‏قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي‏)‏ أي ثوابه وقال الكلاباذي‏:‏ جعل اللّه أوصاف المؤمنين صفة فقال مرضت واستسقيتك واستطعمتك لأن الوصلة إذا استحكمت والمودّة إذا تأكدت صار فعل كل واحد من المتواصلين فعل الآخر وكلما فعله الحبيب فهو يسر حبيبه، ألا ترى قيساً المجنون كان إذا أراد أن يسكن ما به ذكرت له ليلى فينجلي ما هو فيه ويتكلم بأحسن كلام فيقال له‏:‏ أتحب ليلى فيقول‏:‏ لا فيقال‏:‏ لم فيقول‏:‏ المحبة ذريعة الوصلة وقد وقعت الوصلة فسقطت الذريعة فأنا ليلى وليلى أنا، وقال‏:‏

أنا من أهوى ومن أهوى أنا * نحن روحان حللنا بدنا

فإذا أبصرتني أبصرته * وإذا أبصرته كنت أنا

‏(‏تتمة‏)‏ سئل بعض العارفين عن تنزلات الحق في إضافة الجوع والظمأ لنفسه هل الأولى إبقاؤها على ما وردت أو تأويلها كما أولها الحق لعبده حين قال أطعمك إلخ‏؟‏ فقال الواجب تأويلها للعوام لئلا يقعوا في جانب الحق بارتكاب محظور وانتهاك حرمة وأما العارف فعليه الإيمان بها على حد ما يعلمه اللّه لا على حد نسبتها للخلق لاستحالته وحقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق فلا يجتمع قط مع خلقه في جنس ولا نوع ولا شخص ولا تلحقه صفة تشبيه لأنها لا تكون إلا لمن يجتمع مع خلقه في حال من الأحوال ولذا أبقاها السلف على ظاهرها لئلا يفوتهم كمال الإيمان لأنه ما كلفهم إلا بالإيمان به لا بما أولوه فقد لا يكون مراداً للحق فالأدب إضافتنا إليه كل ما أضافه لنفسه تعالى كما قيل‏:‏

إذا نزل الحق من عزه * إلى منزل الجوع والمرحمه

فخذه على حد ما قاله * فإن به تحصل المكرمه

ولا تلقينه على جاهل * فتحصل في موطن المذممه

- ‏(‏م‏)‏ في الأدب ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ ورواه عنه أيضاً الترمذي في الزهد ولم يخرجه البخاري‏.‏

1935 - ‏(‏إن اللّه تعالى يقول إني لأهم بأهل الأرض عذاباً‏)‏ كقحط وجوع وفتن توجب قتلاً ونحو ذلك ‏(‏فإذا نظرت ‏[‏ص 314‏]‏ إلى عمار بيوتي‏)‏ أي عمار المساجد التي هي بيوت اللّه بالذكر والتلاوة والصلاة وأنواع العبادة ‏(‏والمتحابين فيّ‏)‏ أي لأجلي لا لغرض دنيوي ‏(‏والمستغفرين بالأسحار‏)‏ أي الطالبين من اللّه المغفرة فيها ‏(‏صرفت عذابي عنهم‏)‏ أي عن أهل الأرض إكراماً لهؤلاء ويحتمل عود الضمير إلى هؤلاء فقط لكن يؤيد الأول خبر لولا شيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صباً وليس المراد بالهم هنا حقيقته من العزم على الشيء ولا الإرادة والألم يتخلف وقوعه بل ذكر تقريباً لأفهامنا وحباً لنا على هذه الخصال الفاضلة وخصها لما في الأولى من إقامة شعائر الدين وفي الثانية من الائتلاف والاجتماع على نصره وفي الثالثة من محو الذنوب أو فأولا ولأن الاستغفار ممحاة للذنوب كما في خبر يأتي فلذلك كانت صارفة للعذاب‏.‏

- ‏(‏هب عن أنس‏)‏ وفيه صالح المري أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال قال النسائي وغيره متروك‏.‏

1936 - ‏(‏إن اللّه تعالى يقول إني لست على كل كلام الحكيم أقبل‏)‏ أي أثيب ‏(‏ولكن أقبل على همه‏)‏ أي عزمه ونيته ‏(‏وهواه‏)‏ أي ما يميل إليه ‏(‏فإن كان همه وهواه فيما يحب اللّه ويرضى‏)‏ جمع بينهما للتأكيد وإلا فأحدهما كاف ‏(‏جعلت صمته‏)‏ أي سكوته ‏(‏حمداً للّه‏)‏ أي بمنزلة ثنائه على اللّه تعالى باللسان ‏(‏ووقاراً وإن لم يتكلم‏)‏ أي وإن كان همه وهواه فيما لا يحبه ولا يرضاه فلا أجعل صمته كذلك بل إنما يعاتب أو يعاقب عملاً بنيته وحذف الشرط الثاني وجزاءه لفهمه مما قبله ولم يأت به بالمنطوق تحقيراً لشأن من قام به وفيه إيماء إلى علو مقام الفكر ومن ثم قال الفضيل‏:‏ الفكر مخ العبادة وقال الحسن‏:‏ من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو ومن لم يكن سكوته فكرة فهو سهو وقال وهب‏:‏ ما طال فكر امرئ قط إلا علم وما علم إلا عمل‏.‏ وقال الداراني‏:‏ الفكر في الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لأهل الولاية والفكر في الآخرة يورث الحكمة ويحيي القلوب‏.‏ وقال الجنيد‏:‏ أشرف المجالس الجلوس مع الفكر في ميدان التوحيد والتسنيم تنسيم المعرفة والشرب بكأس المحبة من بحر الوداد وقال الشافعي رضي اللّه تعالى عنه‏:‏ استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر وصحة النظر في الأمور نجاة من الغرور‏.‏

- ‏(‏ابن النجار‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن المهاجر بن حبيب‏)‏ لم أره في الصحابة في أسد الغابة ولا في التجريد‏.‏

1937 - ‏(‏إن اللّه يكتب للمريض‏)‏ أي يأمر الكرام الكاتبين أن يكتبوا له حال مرضه ‏(‏أفضل ما كان يعمل في صحته ما دام في وثاقه‏)‏ أي مرضه ‏(‏والمسافر أفضل ما كان يعمل في حضره‏)‏ إذا شغله السفر عن ذلك العمل والمراد السفر الذي ليس بمعصية بل كان سفر طاعة كحج وغزو وكذا المباح كسفر لتجارة حسبما شمله الحديث قال ابن حجر رحمه اللّه‏:‏ هذا في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها لأنه أعاقه‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي موسى‏)‏ الأشعري‏.‏

‏[‏ص 315‏]‏ 1938 - ‏(‏إن اللّه يكره فوق سمائه‏)‏ خص الفوقية إيماء إلى أن كراهته لذلك أمر متعارف مستفيض بين الملأ الأعلا وسكان السماوات العلى ولا تعلق لهذا بما يقع في النفوس من تصور المكانية تعالى اللّه عن صفات المحدثات فإنه تعالى مباين لجميع خلقه متسلط على كل شيء بقهره وقدرته سبحانه ‏(‏أن يخطأ‏)‏ بالبناء للمجهول ‏(‏أبو بكر الصديق‏)‏ أي يكره أن ينسبه أحد من الأمة إلى الخطأ ‏(‏في الأرض‏)‏ لكمال عقله وإصابته للصواب فيما يشير به ويراه ومناصحته لنبيه صلى اللّه عليه وسلم وإخلاص سريرته كيف وقد انتصب لمناوأة المشركين وذب عن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وحده ولم يهب شرق الدنيا وغربها وجاد بمهجته في اللّه تعالى ولما مات أبو طالب انتهزت قريش الفرصة واجتمعوا على المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أن يقتلوه قائلين أنت الذي تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا فلم يعنه إلا الصديق رضي اللّه تعالى عنه فنادى بأعلا صوته أتقتلون رجلاً أن يقول ربي اللّه‏؟‏ فمؤمن آل فرعون الذي أثنى عليه اللّه كان يكتم إيمانه وأبو بكر رضي اللّه عنه بذل نفسه فحاول إظهاره وإعلائه‏.‏ وكراهته لتخطئته إنما هو في حق غير المعصوم فلا ينافي قول المصطفى صلى اللّه عليه وسلم في تعبيره للرؤيا كما في البخاري أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً‏.‏

- ‏(‏الحارث‏)‏ بن أبي أسامة في مسنده عن أحمد بن يونس عن أحمد بن أبي الحرث الوراق عن بكر بن خنيس عن محمد بن سعيد عن عبادة عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ ‏(‏طب‏)‏ عن الحسن بن العباس عن سهل بن عثمان عن أبي يحيى الحماني عن أبي العطوف جراح بن المنهال عن الوضين عن عطاء عن عبادة عن ابن غنم عن معاذ ‏(‏وابن شاهين‏)‏ في كتاب ‏(‏السنة‏)‏ عن إبراهيم بن حماد عن عبد الكريم بن هيثم عن الحماني فما فوقه ممن ذكر ‏(‏عن معاذ‏)‏ بن جبل قال‏:‏ لما أراد النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يسرحني إلى اليمن استشار ناساً من أصحابه فتكلم كل برأي فقال ما ترى يا معاذ قلت أرى ما قال أبو بكر رضي اللّه عنه فذكره قال الهيثمي‏:‏ وفيه أبو العطوف لم أر من ترجمه يروي عن الوضين بن عطاء وبقية رجاله موثوقون انتهى وأورده ابن الجوزي في الموضوع وقال تفرد به أبو الحارث نصر بن حماد عن بكر بن جيش وقال يحيى نصر كذاب ومحمد بن سعيد هو المصلوب كذاب يضع، إلى هنا كلامه، ونازعه المؤلف على عادته فلم يأت بطائل‏.‏

1939 - ‏(‏إن اللّه يكره من الرجال الرفيع الصوت‏)‏ أي الشديد الصوت ‏(‏ويحب الخفيض من الصوت‏)‏ ولهذا أوصى اللّه نبيه به صلى اللّه عليه وسلم في قوله ‏{‏واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير‏}‏ فتشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير وتمثيل أصواتهم بالنهاق مبالغة شديدة في الذم والتهجين وإفراط في التثبط عن رفع الصوت والترغيب عنه وتنبيه على أنه من كراهة اللّه بمكان ذكره الزمخشري، وإذا كره من الرجال فمن النساء أولى‏.‏

- ‏(‏هب عن أبي أمامة‏)‏ ظاهر صنيع المؤلف أن البيهقي خرجه ساكتاً عليه والأمر بخلافه بل عقبه بقوله تفرد به مسلمة بن علي وليس بالقوي انتهى ومسلمة أورده الذهبي في الضعفاء المتروكين وقال قال الدارقطني وغيره متروك وفيه أيضاً نعيم بن حماد وثقه أحمد وقال الأزدي وابن عدي قالوا كان يضع الحديث‏.‏

1940 - ‏(‏إن اللّه تعالى يلوم على العجز-أي عدم الداعية الحازمة التي يسمى بها مكتسباً وإن كانت القدرة للّه تعالى-‏)‏ أي على التقصير والتهاون في الأمور وهذا قاله لمن ادعى عليه عنده فحسبل-وسببه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قضى بين رجلين فقال المقضي عليه لما أدبر حسبي اللّه ونعم الوكيل فذكره أي أنت مقصر بترك الإشهاد والاحتياط-‏[‏ص 316‏]‏ تعريضاً بأنه مظلوم أي أنت مقصر بتركك الاحتياط وعدم رعاية ما أقام اللّه لك من الأسباب وترك التدبير بالإشهاد وإقامة الحجة وغير ذلك مما يوجب الغلبة وثبوت الحق والعجز وإن كان صفة وجودية قائمة بالعاجز لكن العبد ملام عليه لما ذكر ‏(‏ولكن عليك بالكيس‏)‏ بفتح فسكون ويطلق على معان منها الرفق فمعناه عليك بالعمل في رفق بحيث تطيق الدوام عليه كذا قرره في الأذكار وقال غيره ضد الحمق يعني التيقظ في الأمر وإتيانه من حيث يرجى حصوله ‏(‏فإذا غلبك أمر‏)‏ بعد الاحتياط ولم تجد إلى الدفع سبيلاً ‏(‏فقل‏)‏ حينئذ ‏(‏حسبي اللّه ونعم الوكيل‏)‏ أي الموكول إليه لعذرك حينئذ وحاصل معنى الاستدراك لا تكن عاجزاً وتقول حسبي اللّه ولكن كن يقظاً حازماً فإذا غلبك أمر فقل ذلك إذ ليس من التوكل ترك الأسباب وإغفال الحزم في الأمور بل على العاقل أن يتكيس في الأمور بأن يتيقظ فيها ويطلب ما يعن له بالتوجه إلى أسباب جرت عادة اللّه على ارتباط تلك المطالب بها ويدخل عليها من أبوابها ثم إن غلبه أمر وعسر عليه مطلوب ولم يتيسر له طريق كان معذوراً فليقل حسبي اللّه ونعم الوكيل فإن اللّه تعالى يأخذ بثأرك وينصرك على خصمك‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في القضاء عن بحير عن ابن معدان عن سيف ‏(‏عن عوف بن مالك‏)‏ قال الذهبي في المهذب سيف لا يعرف ورواه عنه أيضاً النسائي في اليوم والليلة قال في المنار وفيه سيف الشامي وهو لا يعرف‏.‏

1941 - ‏(‏إن اللّه تعالى يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الآخر‏)‏ بالرفع صفة ثلث وفي رواية الثلث الأول وأخرى النصف وجمع باختلاف الأحوال يعني يكون أوقات الليل في الزمان والآفاق تقدم الليل عند قوم وتأخره عند آخرين ‏(‏نزل‏)‏ وفي رواية للبخاري ينزل ‏(‏إلى السماء الدنيا‏)‏ أي القربى قيل المراد نزول رحمة ومزيد لطف وإجابة دعوة وقبول معذرة كما هو ديدن الملوك الكرماء والسادات الرحماء إذا نزلوا بقرب قوم مستضعفين ملهوفين لا نزول حركة وانتقال لاستحالته عليه تقدس فهو نزول معنوي ويمكن حمله على الحس ويكون راجعاً إلى أفعاله لا ذاته وقيل المراد بنزوله نزول رحمته وانتقاله من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام المقتضية للرحمة والإنعام ‏(‏فنادى هل من مستغفر‏)‏ فأغفر له ‏(‏هل من تائب‏)‏ فأتوب عليه ‏(‏هل من سائل‏)‏ فيعطى، وفيه توبيخ لهم على غفلتهم عن السؤال ‏(‏هل من داع‏)‏ فأستجيب له ولا يزال كذلك ‏(‏حتى ينفجر الفجر‏)‏ جمع بينهما للتأكيد إن كانتا بمعنى وإلا فلأن المطلوب دفع ما لا يلائم أو جلب الملائم وهو إما دنيوي أو ديني فأشير بالاستغفار إلى الأول وبالسؤال إلى الثاني وبالدعاء إلى الثالث وخص أخر الليل لأنه وقت التعرض لنفحات الرحمة وزمن عبادة المخلصين ولأنه وقت غفلة واستغراق نوم والتذاذ به ومفارقة اللذة والدعة صعب سيما لأهل الرفاهية فمن آثر القيام لمناجاته والتضرع إليه فيه دل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه فلذلك خص ذلك الوقت بالتنزل الإلهي الرحمني وفيه أن الدعاء في الثلث الأخير مجاب وتخلفه في البعض لخلل في الداعي أو الدعاء‏.‏

- ‏(‏حم م عن أبي هريرة وأبي سعيد معاً‏)‏ ورواه أيضاً البخاري في مواضع من صحيحه بألفاظ متقاربة المعنى‏.‏

1942 - ‏(‏إن اللّه تعالى ينزل‏)‏ بفتح أوله ‏(‏ليلة النصف من شعبان‏)‏ أي ينزل أمره أو رحمته على ما تقرر قال القاضي‏:‏ لما ثبت بالقواطع العقلية أنه تعالى منزه عن الجسمية والتحيز والحلول امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع ‏[‏ص 317‏]‏ أعلا إلى أخفض منه بل المعنى به على ما ذكره أهل الحق دنو رحمته ومزيد لطفه على العباد وإجابة دعوتهم وقبول معذرتهم كما هو ديدن الملوك والسادة الرحماء إذا نزلوا بقرب محتاجين ملهوفين مستضعفين فقوله ‏(‏إلى سماء الدنيا‏)‏ أي ينتقل من مقتضى صفات الجلال المقتضية للأنفة من الأرذال وعدم المبالاة وقهر العداوة والانتقام من العصاة إلى مقتضى صفات الإكرام المقتضية للرحمة والرأفة وقبول المعذرة والتلطف بالمحتاج واستعراض الحوائج والمساهلة والتخفيف في الأوامر والنواهي والإغضاء عما يبدو من المعاصي والتركيب في سماء الدنيا من قبيل مسجد الجامع والقياس السماء الدنيا كما في الحديث المتقدم‏.‏

قال بعض العارفين رضي اللّه عنه ما من ليلة إلا وينزل من السماء في الثلث الأخير فتوح رباني ومدد فيلتقطه هل التسليم ثم أهل التفويض ثم تقع الإفاضة من هؤلاء على أصحاب الدوائر العلية أقطاب الأفلاك الكلية ثم تقع منهم على الحفظة والنواب وولاة الأمر ثم منهم على الملكين والصالحين والعلماء العاملين ممن حضر فتح الباب وتنزل الأمداد فإن الهدية لمن حضر قال وأما النائمون في الثلث الآخر فتصيبهم عند أخذ الرجال الخمس المعروفين بين الأولياء فإنه يأخذ لكل من غاب نصيباً عند صلاة الصبح إما قبل فراغه أو معه ومن تخلف عن اليقظة عند صلاة الصبح فإن نصيبه يعطاه في أسبابه الدنيوية إذا رضى بإقامة اللّه له فيها وما بقي بعد ذلك فهو حظ الأنعام وأمثالهم من العوام الغافلين عن الأسباب ‏(‏فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب‏)‏ قال الزين العراقي مزية ليلة نصف شعبان مع أن اللّه تعالى ينزل كل ليلة أنه ذكر مع النزول فيها وصف آخر لم يذكر في نزول كل ليلة وهو قوله فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب وليس ذا في نزول كل ليلة ولأن النزول في كل ليلة مؤقت بشرط الليل أو ثلثه وفيها من الغروب وخص شعر غنم كلب لأنه لم يكن في العرب أكثر غنماً منهم وورد في حديث آخر استثناء جماعة من المغفرة‏.‏